مفهوم الشباب الجولاني: ما بين السياسات الاستعمارية والمجتمع

تم نشر هذه الورقة عام  2020 ضمن مشروع كتاب “The Untold Story of the Golan Heights-Occupation, Colonization and Jawlani Resistance”.

مقدمة

نشهد في الآونة الأخيرة تصعيد من قبل المنظومة الاستعمارية في استهدافها للجولان و الجولانيين في الأراضي المحتلة. تارةً تستهدف التمثيل والسيطرة السياسية، وتارة تستهدف ما تبقى من الأرض والموارد الطبيعية. ولّدت السياسات الاستعمارية هذه مقاومة شعبية تُجدّد النضال الشعبي التاريخي وتُعبّر عن استمراريته. في ظل هذه الظروف، تشكلت بعض المجموعات التي برزت على الساحة السياسية والاجتماعية، وتعددت الجهات المتحدّثة تحت تسميات وأُطر شبابيّة مختلفة.

انعكس أحيانا هذا التعدد والتخبطات، في تنظيمات المجموعات والحركات الناشطة مؤخرًا، في القلق والإحباط النابع من عدم القدرة على تحقيق أي من التصورات المطروحة أو المتوقعة من هذه المجموعات، خاصة مع ازدياد التأثيرات من المحيط العربي والمجموعات “الشبابية” العربية. قامت العديد من المحاولات للدفع تجاه تحقيق هذه التصورات ولكن سرعان ما واجهت معوقات منعتها من ذلك. إذن، لا بد من النظر إلى السياق التاريخي وتطور هذه المفاهيم عن الشباب الجولاني عبر الزمن والبحث عن التفاعلات التي ولّدت هذه التصورات، ما حصل عليها من تغييرات وما أحدثته من تغيير اجتماعي سياسي. هذا ما تحاول هذه الورقة دراسته بشكل أولي، عن طريق النظر إلى السياق التاريخي وتتبع تفاعلات حصلت في محطات مفصلية وأثّرت على مباني القوّة في المجتمع وديناميكيات النضال، السياسات الاستعمارية والرؤية الصهيونية، التصور لمفهوم “الشباب” وما يمثله.

في هذا النص، ومن أجل البدء في بلورة أجوبة لهذه التخبطات والأسئلة، سنتطرق في السرد التاريخي لمفهوم الشباب داخل سياقاته الاجتماعية والسياسية في كل من المحطات المفصلية، من خلال تقاطع ثلاث مستويات تحليل. الأول، مستوى سياسات المنظومة الاستعمارية تجاه أصحاب الأرض. يوفر هذا المستوى قراءة أوسع لمفهوم “الشباب”، من خلال الربط ما بين المنظومة المجتمعية، العائلية وعلاقات القوة فيها وبين السياق الاستعماري، وأيضًا من خلال التوجه والنظرة لمفهوم الشباب كأداء هويّاتي يعبر عن تعريفات الأشخاص. أما المستوى الثاني، فهو مستوى النضال الشعبي والتصورات لمفهوم “الشباب” حسب الخطابات التي سادت في كل من الفترات. ثالثا، مستوى أداء “المجموعات الشبابية” الناشطة، والنماذج التنظيمية التي استخدمتها. يتيح لنا تقاطع هذه المستويات آليات لقراءة وتحليل واقع النضال الشعبي الحالي في الجولان في ظل مباني القوة المجتمعية والسياق الاستعماري، ودور “الشباب” كمفهوم  بها، مما يساهم في تطوير منهجيتنا واستراتيجيات المواجهة مع الاستعمار وتفكيك المفاهيم المجتمعية القمعية.

مدخل نظري للسرد التاريخي

            قسم عامر ابراهيم(2015) احتلال الجولان إلى مرحلتين، مرحلة الاستحواذ على “الجسد والمكان”،  ومرحلة “الاستحواذ على النفس وتعريفاتها”، أي استهداف الحيز الثقافي الاجتماعي والسياسي والفرض القسري لتعريفات المستعمِر على المستعمَر. ترتبط هذه السياسات بشكل مباشر مع سياسات “الترحيل المفاهيمي” التي ذكرها عامر إبراهيم(2018) في كتابات أخرى له، بمعنى إبقاء بعض السكان بهدف استخدامهم لإستكمال الرواية الصهيونية، ولكن نفي وجودهم كأصحاب أرض وسكان أصليين. لم تقتصر استراتيجية الاستعمار على هذا، حيث لا يمكننا الفصل بين الحالة الاجتماعية الثقافية والوضع الاقتصادي للحفاظ على الوضع القائم، فتعمل المنظومة الاستعمارية بشكل ممنهج على مأسسة فجوة اقتصادية وأكاديمية بين المُستعمِر والمُستعمَر.

في الكثير من الكتابات النمطية عن الشباب، حاول الكتّاب الوصول إلى تعريف معين ل “الشباب” – كشريحة أو فئة عمرية ، وإتبعوا عدسات تحليلية تتمحور حول دراسة الأشكال التنظيمية للمجموعات الشبابية الناشطة، دون التطرق إلى الاختلافات والتناقضات داخل هذه المجموعات(علاء العزة-2015). بدلا عن ذلك، وعندما لا نتجاهل هذه الاختلافات، يمكننا رؤية “الشباب” كمفهوم ينشئ بشكل مختلف في أزمنة مختلفة ويتبلور حول الظروف الاجتماعية السياسية، الخطابات السائد وتأثيرات مؤسسات المجتمع الأهلي، كما يمكننا فهم المصالح التي خدمتها هذه التصورات المختلفة. سوف أتطرق في هذه الورقة لمفهوم الشباب وفقًا لهذا الفِهم، أي كحالة وليدة المرحلة والظروف، وربطها مع السياق الاستعماري في إطار منظومة الاستعمار الاستيطاني.

تفاعلات مركزية في صيرورة بلورة مفهوم الشباب: سرد تاريخي موجز

الخلايا السرية 1967-1973: الأمل والإحباط

يمكننا الإشارة إلى بداية انخراط “الشباب” في مقاومة الاحتلال منذ عام 1967، وفقا لشهادة سلمان فخر الدين في تقرير لقناة الجزيرة(تحت المجهر) يقول فيه أن الشباب والقادرين على حمل السلاح تسلحوا خلال الحرب وشاركوا كجزء من المقاومة الشعبية. خلقت خسائر حرب عام 1967 شعور بالإحباط لدى السكان، بالاضافة إلى موجة التخوين لمن بقي في الأراضي المحتلة بعدها ما زاد من حدة الإحباط والعجز[1]. بالرغم من ذلك، رافق هذا الإحباط شعور بأن الاحتلال مؤقت وأن زواله حتمي والعودة قريبة (تحت المجهر).

خرجت من قلب صدمة “الهزيمة” خلايا سرية عملت على رفض قرارات الاستعمار وسياساته لضم الجولان، كما عملت على مراقبة تحركات الجيش ونقلها للقيادات السورية ومن ثم للجيوش العربية. اعتمدت طريقة عمل الخلايا على اليد العاملة، فعمل أعضاء الخلايا في مناطق تجمعات الجيش “الإسرائيلي” والمواقع المحتلة التي باشر الاستعمار بتنفيذ مشاريعه فيها.

حققت هذه الخلايا العديد من الإنجازات بعد نقل المخططات المتعددة للمراكز العسكرية للاحتلال على جبهات الجولان وسيناء، مثل نقل تفاصيل تحصينات جيش العدو في قناة السويس، الأمر الذي ساعد الجيش المصري على اختراقها عام 1973 واستعادة سيناء في وقت قياسي. كان مفهوم “الشباب” في هذه الفترة كما وصفته الروايات والخطابات السائدة حينها على أنه العامل الكادح حامل راية التحرير، رمز المقاومة والتضحية. كما اقتصر المفهوم على الشاب الذكر، ولم يشمل حينها عنصر نسائي في تعريفاته أو تنظيماته.

استمر عمل الخلايا حتى عام 1973 عند استشهاد عزت شكيب أبو جبل[] في كمين خلال نقله معلومات حساسة للداخل السوري، وعلى أثره تم إعتقال ما يقارب 62-115 شخص وفرض عقوبات كبيرة بحق الأسرى حيث وصلت الأحكام الى ثلاثين عام، مما أدى لإحباط عملها. شكّلت تجربة الخلايا السرية هذه تمهيد وانطلاقة للنضال الشعبي لاحقا. (المقاومة الوطنية في الجولان)

بعد كشف الخلايا السرية وحتى أواخر السبعينيات، تغيّر مفهوم “الشباب” على مستويين. أولًا على مستوى سياسات المنظومة الاستعمارية؛ حيث أنهت حينها المرحلة الأولى، أي “احتلال المكان والزمان”، وباشرت أو تابعت في المرحلة الثانية أي “احتلال النفس وتعريفاتها”، وبرز هذا بشكل أساسي على جانبين: بعد انقطاع سكان الجولان عن المراكز والمدن السورية التي اعتمدوا عليها اقتصاديًّا في العادة، بدأ الاحتلال بالاستحواذ على اقتصاد السكان والعمال وإجبارهم على التعلق الاقتصادي التام به، بمنتجاته وبخدماته.

في الجانب التعليمي والأكاديمي، بدايةً خلقت الظروف صعوبة في الحصول على التعليم المدرسي حيث تم فصل جميع المعلمين المعينين مسبقًا واستبدال المنهاج التعليمي. أكاديميًّا، كان من الصعب دخول الجامعات الاسرائيلية بسبب الفجوة بين متطلبات الجامعات وبين تحصيلات المتخرجين من المدارس وانقطاع الطريق تجاه جامعات دمشق. نتيجة لمبادرة بعض النشطاء حينها، فتحت الأبواب مجددًا لتستقبل الطلاب الجولانيين من الأراضي المحتلة في جامعات دمشق(التعليم في الجولان)، وبدأ مفهوم الشباب يتحول من العامل الى المثقف، مما ساهم لاحقًا في رفع نسبة ومستوى التعليم الجامعي في المنطقة.

أما على الصعيد التنظيمي، ورغم إحباط الخلايا وكشفها، عزز نجاحها في مساعدة الجيوش العربية خلال حرب 1973 من عزيمتها، وزاد الاحتكاك مع الأطر الاجتماعية والسياسية الفلسطينية مما أدى إلى تبادل التجارب واكتساب الخبرات والأدوات التنظيمية والدعم المعنوي.

الإضراب الكبير 1982:  الصمود، مقاومة التعريفات الصهيونية وانتزاع الحقوق

في مطلع الثمانينات، بعد الإعلان عن قرار ضم الجولان، بدأت احتجاجات شعبية تُوِّجَت بإضراب كبير طالت مدته ستة شهور(1982)، وتبلورت من جديد تعريفات “الشباب” حول الأحداث.  بالرغم من الطابع الشعبي للتصدي والمقاومة التي لا تخضع إلى اي إطار سياسي أو غيره، وعدم الإشارة إلى فئة الشباب كجسم منفصل عن المجتمع أو كشريحة بحد ذاتها، إلا أن مفهوم “الشباب” كان حاضرًا بشكل مزدوج؛ كفئة عمرية من جهة، حيث إضافةً إلى استنفار طلاب المدارس، كانوا الشباب في طليعة المظاهرات، ومن جهة أخرى للدلالة على التواجد السياسي والاجتماعي للمجتمع والتعبير عن خطابه وقضيته واستمراريته، أي للدلالة على من سيعيش تأثيرات هذه المرحلة وما سيأتي بعدها من تغييرات في المستقبل( الجزيرةصراع الهوبات).

إضافةً إلى ظهور الشباب الواضح في المظاهرات والنشاطات. اكتسب مفهوم “الشباب” في هذه الفترة جوانب ثقافية وأكاديمية، وكان للتعليم في جامعات دمشق علاقة مباشرة في ذلك. إضافة إلى الهوية الجديدة، وليدة الظروف، على مفهوم “الشباب”، “جنسية غير معرفة” المكتوبة على هويات سوريّو الجولان،  والتي تستخدم حتى يومنا هذا من قبل الجولانيين كَ دلالة على رفضهم للاحتلال، ولعلها تحولت إلى أكثر الهويّات المكتمِلة التي تمارَس في المجتمع الجولاني. ساهمت الفترة التي تلقّى فيها الشباب الجولاني تعليمه في جامعات دمشق، أولًا، في صقل مفهوم “الشباب” ومركزته حول الشهادة الأكاديمية كقيمة عليا، مما أنتج التوقع من الشباب أداء هوية “الشاب المثقف” الذي تتمحور طموحاته في تحقيق الذات والاستقلالية والنجاح الفردي. ثانيًا، كان تراكم الخريجين الأكاديميين جزء مركزي من خلق طبقة وسطى في المجتمع(منير فخر الدين -2019).

جندريًَّا، يمكننا الملاحظة أن عدم الخضوع لأطر ومؤسسات الذي ميز هذه الأحداث، انعكس أيضًا في مقاومة وتحدي المبنى الجندري الهرمي والذكورية المتجذرة في التعريفات والتصورات حول “الشباب”، حيث إضافةً لازدياد التواجد النسائي في المظاهرات والاشتباكات، برز التحدي المجتمعي حين “أتيح” التعليم في جامعات الاتحاد السوفييتي وخرجن النساء للتعليم رغم معارضة المجتمع، مما قد يكون من العوامل التي ساهمت لاحقا في ارتفاع نسبة الطالبات عند إعادة إمكانية التعليم في جامعات دمشق[2].

بالتوازي مع هيمنة هذا المفهوم للشباب، ساهمت تجربة الإضراب وفك الحصار في بلورة تصورات لمفهوم شبابي مقاوم، إن كان على صعيد الممارسة واكتساب الخبرة في النضال المجتمعي أو على صعيد المعرفة بالقانون الدولي وحقوق الإنسان وانتزاعها من المستعمر. هيأ هذا في سنوات الثمنينات أرضية خصبة لتشكيل مجموعة خلايا سرية شبابية (أعضائها من فئة عمرية شابة منهم قاصرين) جديدة[3] اتبعت مبدأ مقاومة الاستعمار بكل الوسائل المتاحة. ما ميز هذه المجموعة، هو انفصالها منذ البداية عن المؤسسات التقليدية السورية أو الفلسطينية، مثل أجهزة الدولة السورية أو منظمة التحرير الفلسطينية كما كان في السبعينات، واتخاذها طابع تنظيمي مستقل.

امتداد الثورة السورية 2011: من ثورة على الثوابت إلى الشرخ المجتمعي

كانت الثورة السورية عام 2011 تجربة مفصلية غيرت بشكل جذري في المسلمات بما يخص الانتماء، “الهوية الجولانية” والولاء الغير مشروط للنظام السوري، بعد مرور سنوات من تذويت تداخل مفهوم النظام ومفهوم الوطن والوطنية. مع بداية الثورة، سرعان ما تكونت “تنسيقية الجولان المحتل لدعم الثورة السورية” والتي نظمت نشاطات مناصرة لها وحملت عناوين تِلك التي كانت تقام في الداخل السوري. قامت التنسيقية بتنظيم ندوات ناقشت مستقبل الثورة وتحرير الجولان، ودعت إلى تظاهرات ضد النظام السوري. كما رسموا وغنوا أغاني الحرية لجميع السوريين(صفحة “الشعب السوري عارف طريقه/نص تفاحة”). ميّز هذا الحراك التواجد الكبير لأشخاص من الفئة العمرية الأصغر، وتبلور مفهوم “الشباب” متأثرًا في المحيط العربي والظروف المحلّية. تشكلت حالة ثورية جديدة غيرت الكثير من المفاهيم (من ضمنها مفهوم “الشباب”) وعلاقات القوة في المجتمع، وتجسدت في إضافة تعريفات مثل التمرد على العائلة والمنظومة الأبوية. برز تحدّي هذه التنسيقية لمباني القوة المجتمعية مثلًا في قضية إحدى الصور للمتظاهرات/ين في “بيت التل” في مجدل شمس، كان بين المتظاهرات شابة تحمل لافتة مكتوب عليها “إذا كانت رجولتك مشروطة بغشاء بكارتي فهي حتما معدومة بزواله”. انتشرت الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي وتم تحريف نص اللافته واستغلالها للتشهير بالنساء المتظاهرات. كما طال التشهير الكثير من الأشخاص ممن شاركوا في الحراك وجاهروا في مواقفهم من النظام السوري.

لم تدم هذه التنسيقية طويلًا، فازداد الاعتداء على النشطاء من قبل الموالين للنظام بالتوازي مع الهجوم العسكري الذي شنه النظام على المتظاهرين في الداخل السوري، وتم تعنيف وتخوين كل من يعارضه. طالت التهديدات عائلات النشطاء في الداخل السوري في حال استمرارهم[4]، مما شكل نقطة مفصلية في حياة التنسيقية أدت إلى تجميد نشاطها. ما بقي بعد توقف النشاط عام 2013 تقريبا، هو الشرخ المجتمعي الكبير بين موالي ومعارضي النظام السوري والذي دام سنوات عديدة.

الحراك الشبابي في الجولان السوري المحتل: ما بين الروايات، التصورات وإمكانيات المقاومة.

ولادة الحراك: الحاجة والاستجابة

تنويه: قبل البدء في السرد والتحليل، لا بد من التنويه الى أن في هذه الجزئية من النص، اعتمد في التحليل والاستنتاج بالأساس على تجربتي كمبادر/ناشط في الحراك، حيث كنت جزء من الحراك منذ بداية التجربة حتى توقف النشاط وانخراط الأعضاء في مجموعات وحراكات أخرى.

بعد توتر أحداث الثورة السورية، تدهورت أحوال الشباب الجولاني (كفئة عمرية) في الأراضي المحتلة على جميع الأصعدة، حتى بلغت أدنى المستويات. توسع الشرخ المجتمعي إلى أن بدأ يبتلع المجتمع بأكمله، إضافةً إلى أن أزمة الهوية والتعريفات التي خلقتها المنظومة الاستعمارية، خلال سنوات من ممارسة السياسات الممنهجة لفرض التعريفات القسري على المجتمع، وصلت ذروتها. تحديدًا بعد إغلاق طريق التعليم في جامعات دمشق من جديد، والانقطاع الكلي عن الداخل السوري.

على الصعيد الثقافي الاجتماعي، كان وجود “الشباب” شبه معدوم، ومحصور في أطر توفرها جهات مثل المجالس المحلية التي عادةً لا تجذب الشباب لحملها طابع أسرلة أو لكونها لا تشبههم أو تعبر عنهم. في ظل هذه الظروف، جاء إعلان الاحتلال عام 2018 عن نيته إجراء انتخابات للمجالس المحلية لأول مرة منذ الاحتلال عام 1967،حيث تاريخيًّا، كان تعيين رؤساء المجالس المحلية المفروضة على السكان مهمة الحكم العسكري أو غيره من سلطات دخيلة. بدأ الحديث في المجتمع عن القلق من هذه المحاولة الجديدة لفرض سيطرة الاستعمار على الأراضي السوريّة واكتساب شرعية التمثيل السياسي والاجتماعي للجولان. عقدت العديد من الاجتماعات للهيئة الدينية، الحركة الوطنية والمجموعات الشبابية لنقاش كيفية التصدي لهذا المشروع[5].

خلقت هذه الظروف حاجة ماسة للتنظيم والتصدي للانتخابات وما تمثله، ولجميع سياسات الأسرلة والمشاريع الاستعمارية. بعد الاجتماعات والمشاورات، أُسِّسَت مجموعة إختارت لها تسمية “الحراك الشبابي في الجولان السوري المحتل”[6] وعملت على تقليص الشرخ المجتمعي ومناهضة الانتخابات. خاض “الحراك الشبابي” نقاش حول نقاط التقاطع بين التيارات والشرائح المختلفة في المجتمع من أجل إيجاد خطاب موحد وجامع، ونموذج تنظيمي لتحقيق هذا الهدف. كان هناك توظيف للنشاط الإعلامي بهدف فتح نقاش مجتمعي وبلورة الوعي حول القضايا المجتمعية وحسم النقاش فيها، وهي إحدى الأدوات المهمة التي تم استخدامها خلال الربيع العربي وتم تطويرها وزادت الخبرات في استعمالها مع التطرق بشكل أولي للاشكاليات فيها والأبعاد السلبية لها.

تعددت الخلفيات الاجتماعية والسياسية لأعضاء الحراك الشبابي، وبرز هذا في تعدد الاهتمامات واختلافها في بعض الأحيان خلال النشاط، إلا أن هذا الاختلاف لم يشكل خلاف مبدئي طوال فترة النشاط. تراوحت أعمار غالبية الأعضاء بين 18 سنة حتى الثلاثينات، مع وجود نشطاء بعمر أكبر، البعض كانوا خريجي ثاني عشر، الأغلب كانوا من طلاب الجامعات، إضافة إلى العديد من خريجي الجامعات والمهنيين/ات.  عمل الحراك على عدة مستويات، وكانت الاستراتيجية الأساسية هي القيام بدور حلقة الوصل بين شرائح المجتمع عن طريق بلورة الوعي وإتاحة منصّة الرفض الافتراضية والواقعية. بعد الاجتماعات الشعبية الأولية، تم إصدار بيان مشترك للرأي العام[7]، تبناه الحراك الشبابي وسائر المجموعات، ينص على رفض تعريفات المُستعمر ومشاريعه، ويرفض زج أبناء المجتمع في صراع داخلي يفاقم الشرخ المجتمعي. ترجم ذلك في تجربة الانتخابات من خلال صيرورة الرفض والاحتجاج التي دام زخمها على مدار شهر سبقت الانتخابات، فإضافةً إلى المواد التوعوية التي نشرها الحراك على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، عمل الحراك على تكثيف التواجد  اليومي في الساحات عن طريق تنظيم نشاطات في خيم الاعتصام في محاولة لاستعادة المكان والزمان، كما دعا للعديد من المظاهرات التي توّجت يوم الانتخابات بمظاهرة كبيرة في مجدل شمس، انضم إليها الكثيرون بعد سقوط الانتخابات في قراهم. قُمِعَت هذه المظاهرة بقنابل الغاز والرصاص المطاطي بسبب التغطية الإعلامية المحلية والعالمية الكثيفة وتضخم المظاهرة والتصعيد في الهتافات، مما أسفر عن عشرات الإصابات في صفوف المتظاهرين/ات.

.. أشياء حققها الحراك اللي هي سابقة ولو.. هي مش شكلية الها معاني مهمة.. لما بيجي.. شاب هلي هو.. اقل من 20 سنة.. جزء من الحراك.. هو بكون الواجهة هلي تعرض على الجمهور تقرأ بيان .. بوقفة شعبية.. او لما .. صبية بتعمل مداخلة.. فهون في تحول نوعي مكنش ينفع يحصل قبل 3 عقود في الجولان.”

هذه ع فكرة من المفارقات الجميلة عن جد […] لما تشوف شباب متدينين.. يتناقشو مع شباب وصبايا.. شي حديث جدًا.. على.. شو هو الشعار اللي لازم اسا نتفق عليه وصياغته لنستخدمه بالوقفة.. في شي متقدم جدًا جدًا.. وبعتقد.. جمال هالمبادرة خلّى الناس تنجذب الها يعني.. يستمتعوا فيها.. كخطاب.. كخطاب و تنظيم..

(إقتباس من مقابلة أجريتها مع أحد مؤسسي الحراك الشبابي عام ٢٠١٩)

أما ما بعد الانتخابات، فاستمر النشاط الإعلامي ولكن تراجع تدريجيا وجود الحراك على أرض الواقع، وكان الشعور العام لأعضاء الحراك أن زوال إطار الانتخابات بات يمثل نهاية هذا الحراك حيث معظم أعضاء الحراك كانوا طلاب جامعات يدرسن في أماكن جغرافية مختلفة، مما فرض محدوديات في التزام. كما أن احدى نقاط الضعف تنظيمياً كانت التركيز على رفض المشاريع الاستعمارية ك نقطة التقاطع المركزية بدلا عن التركيز على جميع قضايانا وتقاطعاتها. بالرغم من ذلك، إلا أن اجتماعات الحراك لم تتوقف بهدف العمل على تطوير البنية الداخلية للحراك كما استمر النشاط الإعلامي بالنشر عن قضايا مجتمعية أخرى آخرها مشروع المراوح في الجولان المحتل[8].

صراع الروايات: تصادم التصورات المجتمعية والروايات الاستعمارية

مع بداية كتابة هذه الورقة، كانت التوجهات والتوقعات مختلفة تمامًا، ولكن عندما بدأت المفاهيم الاستشراقية الصهيونية والتناقضات في الظهور وإثارة التساؤلات، أخذ التحليل منحى آخر. على سبيل المثال، من مشاهدة التغييرات على مفهوم الشباب عبر الزمن، من مفهوم ذكوري، إلى مفهوم أكثر شامل ترتبط به أقل دلالات ذكورية، إحدى الاستنتاجات الأساسية من هذه الصيرورة، هي أهمية الأخذ بعين الاعتبار عند بحث ودراسة كل ما يتعلق بالشباب، تفسيرنا لمفهوم “الشباب” نفسه والتعريفات المصحوبة به، والظروف السياسية الاجتماعية التي ساهمت في بلورته حتى اليوم. لا شك أن الكتابة عن مفهوم الشباب من المنظور الاستشراقي، أولا يعزز ويغذي الرواية الصهيونية، وثانيا يبقى التحليل عالقا في عدسة تحليلية ضيقة، تتجاهل تركيبات المجتمع  وعلاقات القوة فيه في سياقها الاستعماري، وتعرقل فهمها.

            نلاحظ من خلال المسح التاريخي في القسم الأول، هيمنة تصورين متوازيين لمفهوم “الشباب” في الجولان. التصور الأول ينبثق من هوية وتعريفات “سكان الجولان السوريين” ويحمل الأبعاد الثقافية والسياسية المتوقعة من الشباب والممارسات الأدائية الوطنية من طقوس سنوية ونشاط شعبي مجتمعي، يشمل مفهوم “الشباب” كمستقبل المشروع التحرري. أما التصور الثاني، فيمثل الرؤية الاستشراقية الصهيونية التي تهدف إلى محو التعريفات التي تتبلور وفقا للتصور الأول، وحصر تعريفات الشباب في “شريحة” أو فئة عمرية معينة، دون التطرق للتيارات الفكرية المختلفة والاختلافات المبدئية والطبقية داخل هذه المجموعات. وهكذا تجرد مفهوم الشباب من مضمونه السياسي الاجتماعي من جهة، ومن جهة أخرى تحاول باستمرار زج السوريين في المشروع الاستعماري بشكل مباشر. لقد خلقت تفاعلات وتناقضات هذين الخطين على مدار التاريخ محطّات مفصلية، ساهمت في بلورة مفهوم “الشباب” ليشمل تحدي المباني الاجتماعية وتجديد النضال والمقاومة الشعبية من جهة، ومن جهة أخرى فرض التغيير على سياسات ورواية المنظومة الاستعمارية.

            على صعيد تأثير مفهوم “الشباب” على المباني الاجتماعية والمقاومة الشعبية، منذ لحظات الاحتلال الأولى، لم يتوقف تجديد نضال المقاومة في الجولان وتطوير اَلياتها وديناميكيات العمل الجماعي، انطلاقا من خلايا المقاومة السرية ونموذج العامل الكادح، مرورا بنموذج الشاب المثقف وعودةً لنماذج المقاومة الشعبية. في الجانب المجتمعي، استمر توسّع المفهوم ليشمل جميع قضايا المجتمع والقيم الجذرية وبلورتها مع الوقت. كما ورد في السياق التاريخي، لم يتمكن المفهوم من التوسع ليتحدى حواجز الجندر المجتمعية والإقبال على التعليم الأكاديمي إلا في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات، مما مهّد لمشاركة نسائية أوسع في الحيز السياسي ومواقع اتخاذ القرار، التي استمرت بالتزايد عبر التاريخ وصولًا إلى اليوم.

            بالعودة إلى السياسات الاستعمارية وتأثير مفهوم الشباب عليها، يمكننا الملاحظة أن المحطات المفصلية في الجولان، شكّلت محطات مفصلية لمنظومة الاستعمار ايضا. هذه المنظومة التي تأسست على أساطير وأوهام، وكونت واقع الذي يبرر ويخدم وجودها، احتاجت أن تتلائم وتتأقلم مع تغييرات الواقع التي فرضتها المقاومة الشعبية المتغيرة. هذا ليس بالأمر الغريب فنلاحظ مأسسة المنظومة الاستعمارية للتطوير البنيوي المستمر للروايات والتعريفات القسرية لملائمتها مع أجندتها وأهدافها. ينعكس هذا التطوير في الكثير من تفاصيل حياة الجولانيين اليومية، مثلا، في التكثيف الغير مسبوق في محاولات تعزيز الهوية الطائفية وتجنيد الشباب الجولاني في الجيش الإسرائيلي أو في الخدمة المدنية منذ بداية الثورة السورية عام 2011، وفي المحاولات العديدة لتسويق خطاب صهيوني استشراقي يشجع على الانجازات الفردية والعمل لصالح “المجتمع الإسرائيلي”، ومحاولة فرض خطاب المواطنة على الجولانيين وإبتزازنا في همومنا اليومية بسبب اعتمادنا على خدماته[9].

الحراك الشبابي في الجولان: “استمرارية” الحركة و “رفض” الحراك

حسب د.أحمد عزم (2019)، سمات الحركة تكمن في كونها أكثر مائلة إلى التنظيم الخدماتي، العضوية فيها أقل مرنة وأكثر ملزمة، عادةً أيديولوجيات ومبادئ أعضائها متشابهة، تضع رؤية مستقبلية ترتكز على الاستمرارية. أما سمات الحراك فتنعكس في البنية التنظيمية له، عادة التمحور يكون حول رفض لحدث معين، واتخاذ القرار يكون بالمشاورة والإجماع. في الحراك الانتساب مفتوح للجميع والعضوية فيه أو الالتزام يتعلق بإيمان الفرد بالقضية. في حالة الحراك الشبابي الجولاني، اعتمادًا على المعرفة التي جمعها النشطاء نتيجةً الاحتكاك مع حراكات ونشطاء فلسطينيين ومن العالم العربي والانكشاف على محدوديات النماذج المختلفة، تساءلوا واتخذوا قرارات بالنسبة للأشكال التنظيمية مبكرًا في حياة الحراك الشبابي الجولاني. نتج عن هذه النقاشات التي كان بها استحضار لدور الشباب التاريخي والإحساس بالمسؤولية، ولاحقا من خلال الممارسة والتعلّم، نموذج تنظيمي يبتعد عن النموذج المثالي للحراك ويميل الى أن يكون ما بين الحراك والحركة. تم الاتفاق على أنه لا يوجد تناقض بين تكوين حراك مناهض للانتخابات وبالتوازي تكوين حركة ما للاستمرارية بعد الانتخابات، تهدف إلى تطوير خطاب جذري تحرري يشمل أكبر عدد ممكن من المجموعات في المجتمع. الملفت للانتباه، أن هذا الخليط بين المستوى التنظيمي والمستوى الخطابي، نجح في زعزعة معيقات الشرخ المجتمعي التي عادةً ما شلّت أي مبادرة قبل تأسيس الحراك، وبالتوازي أضاف بعد جديد لمفهوم “الشباب”.

الشي مريح.. أعطى الحراك  هيك مساحة  أنه  تبدي رأيك وتقولي مين انت وتحسي حالك.. مقبولة بالمجتمع يعني أو في الك صوت اجتماعيا … طول عمرها الأشياء.. يعني.. بتتحرك من الخلوة عنا ومن المشايخ .. فالحراك شوي بعّد عن هالمحل.. و… اعطى هيك شوية أمان بالمحل تبع ال.. مؤيّد ومعارض وبعرفش شو ..هيك أعطى الناس مساحة انه بنفع تكون.. انه تعال نحكي ع الاشياء.. تعال نطلع شوي شوي متل كأنه..  فهذا هيك.. كان غير مثلا عن السنوات الي قبل…

 (إقتباس من مقابلة أجريتها مع ناشطة في الحراك عام ٢٠١٩)

الجانب الهوياتي-الأدائي: مقاومة الاستعمار وأبويّة المجتمع

 إحدى سمات الحراك الشبابي عن ما سبقه، هي الأداء الهوياتي الشبابي، أي الإشارة بشكل واعي إلى “الشباب” في المجتمع كوجود سياسي اجتماعي، عن طريق فهم الماضي وتحليله وبعدها وضع تجديد النضال نصب الأعين. إنعكس هذا مثلًا في  استذكار الشهداء، وأحداث انتفاضة الهوية والإضراب عام 1982، بهدف بلورة الخطاب وبناء حالة شعبية قادرة على التصدي للانتخابات والتأكيد على عدم شرعيتها. ربط الماضي في الحاضر برز أيضا في إحدى المظاهرات التي سبقت الانتخابات فيها حرق المتظاهرون الدعوات للتصويت في الانتخابات استرجاعًا لتجربة حرق الجنسيات الإسرائيلية في الإضراب الكبير عام 1982.

                                       
            انعكس الأداء الهوياتي الشبابي في الصدام المجتمعي خلال أسابيع الاحتجاج، فمثلا، عمل الحراك الشبابي على التنسيق والتواصل مع مجموعة أخرى اختارت تسمية “الحراك الشعبي” التي بدورها حاولت أيضا الدفع تجاه خلق مضلة أو إطار شعبي موحد. كانت هنالك الكثير من الاختلافات الجذرية بين المجموعتين في حين كانت أفكار وخطاب الحراك الشبابي تقدمية وتبنّى نموذج تنظيمي حديث نسبيًّا بدلًا عن الارتجال وآليات التصدي المألوفة. أما في حالة الحراك الشعبي، فكان مكوّن من أسرى سابقين ونشطاء من الفئة العمرية الأكبر، كل أعضائه كانوا رجال. مع ذلك، تمحور خطابهم حول “الشباب” والسياسات الاستعمارية التي تستهدفهم كفئة عمرية، ولهذا، دار الحديث عن إتاحة المجال لـ”الشباب” ليكونوا في مركز النضال والقضية مما ساهم نوعًا ما في تسهيل عمل الحراك الشبابي. كان هناك الكثير من التصادمات خلال العمل الجماعي والتي نبعت من التناقضات بين ما يمثله الحراك الشبابي وطرحه لمفهوم “الشباب” وبين التصور المبني لدى “الحراك الشعبي” والمجتمع عامةً. مثلا، في أول بيان ألقاه ممثل عن الحراك تكلم فيه بداية، أمام عدد كبير من أبناء المجتمع منهم رجال الدين وغيرهم من شخصيات اعتبارية، عن عدم قبول الحراك لمحدودية الفصل الجندري وإبعاد النساء عن المشاركة في صناعة القرار، وكونه شرط أساسي للعمل المشترك. وهكذا أضافت أحداث الإنتخابات بُعد جديد لمفهوم الشباب على صعيد الخطاب والتنظيم المقاوم للاستعمار، مواجهة تحديات المجتمع داخليا، والمنظومة الأبوية بالتحديد.

ولادة رواية جديدة

            عند العودة إلى التصورين الذين ذكروا في البداية، التصور الاستشراقي الصهيوني، والتصور المجتمعي، نرى أنهم صبّوا في خطاب واحد يرى التصورات والنماذج هذه على حقيقتها وبالتالي يرفضها ويستعيد شعبية مفهوم “الشباب” وقربها من المجتمع والبيئة، وبذات الوقت يبتعد عن الفردانية وعن نموذج “الشاب المثقف” النخبوي والذي حمل في طياته قيم ذكورية. يمكننا قرائة ذكورية هذا النموذج في تجلياتها حول المكانة الاجتماعية التي يملكها “الشاب”, وفي دلالاته على أنها مرحلة انتقالية من الطفول إلى الرجل الواعي ذو الماضي المرير والتجربة الصعبة. انتقالية هذا النموذج تضع التعليم والزواج والمأسسة كاسمى الأهداف التي يجب علينا أن نجتهد لتحقيقها، وبالتالي، يصور النشاط ومقاومة الاحتلال كمرحلة “شبابية” يجب على الشاب البلوغ وتجاوزها، فبعد اكتساب المزيد من المكانات الاجتماعية، النشاط قد يتطلب من الشخص الكثير من التضحيات والخسارات الرمزية والمادية. غير هذا تصوُّر أعضاء الحراك لدور وشكل المجموعة، وبرز هذا في نشاط نفس الأشخاص في أطر ومجموعات أخرى تشكلت من جديد ولكن اعتمدت على ديناميكيات واَليات عمل شبيهة بتلك التي وظّفت في التصدي للانتخابات.

في التصدي لمشروع المراوح مثلا، يمكننا قراءة اختيار الشعار الموحد في الصراع مع الشركات المسؤولة عن المشروع – “كي لا تحاسبنا الأجيال القادمة” – كاختيار واعي لتوظيف مفهوم “الشباب” كرمز للمستقبل وإطار جامع لتوحيد المجموعات المختلفة. نستنتج من هنا أن الاستمرارية لا تكمن في المجموعة والأعضاء نفسهم، إنما في فهم النماذج المطروحة لمفهوم “الشباب” في سياقها التاريخي ومن خلال تحليل الظروف المجتمعية التي تولدها، وتوظيف ذلك لبناء آليات لتغيير الواقع السياسي والاجتماعي وتحديد أهداف مستقبلية.

وجودي مع الحراك كان يخليني اعمل مقارنات لما انا كنت بالفئة العمرية هذه..[…] يعني..بالثمانينات.. على فرض، مساهمات الشباب.. كانت مكملة للحراك العام.. الجماهيري والشعبي.. مكنش في الها <Category> هيك.. فئة.. ماخذة مكانتها.. وماخذة.. ريادتها على فكرة

(من مقابلة أجريتها مع أحد اعضاء الحراك الشبابي الأكبر عمراً)

استنتاجات وتوصيات

 من المهم أن نتذكر أنّ تجربة الحراك الشبابي الجولاني هي تجربة محلية، وأي تعميم عليها يجب أن يتم بحذر ومسؤولية. مع هذا, هناك بعض المغازي التي نأخذها من تحليلنا أعلاه, مثل أهمية اتباع مستويات تحليليّة شاملة ومركبة وعدم الاعتماد على العدسة التقليدية المحدودة في بحثنا لل”شباب”. لتحليل مفهوم الشباب يجب التأمل في مفهوم المقاومة المجتمعية، الخطابات التي تحاول بناء مشاريع تحررية وغير منفصلة عن الثورة السورية الجامعة وخطابها، إضافة إلى الأشكال التنظيمية للحركات والنشاطات المقاومة، وألّا نكتفي بوضع الشباب في موقع الهدف الأسمى كسبب لمناهضة الاستعمار ومشاريعه أو زجهم في الصف الأول للصراع، وإنما العمل على تكثيف الالتفاف الشعبي ومؤسسات المجتمع الأهلي حول هذه المجموعات.

في هذا السياق، وجب التنويه حول بعض الجوانب التي يجب تطوير الأبحاث والمعرفة حولها مثل الدور النسائي و/او النسوي خلال تاريخ الجولان، العلاقات والتفاعل مع الحلفاء من المجموعات الشبابية الفلسطينية خاصة والعربية عامة، كما ينقصنا النصوص التي تغوص في تحليل التفاصيل التاريخية للمقاومة الشعبية والحركة الأسيرة خلال ثلاث وخمسون عام من الاحتلال. هناك أيضًا أهمية للتوسع في قراءة طبقية و/أو اقتصادية لصيرورة تكوين الطبقة الوسطى في فترات ازدياد أعداد الطلاب الجامعيين.

المراجع

هوامش

[1]  تم تبرير الإشاعات مثل “من  بقوا في الأراضي المحتلة باعوا أرضهم ووطنهم” عن طريق الربط مع السياسات الاستعمارية تجاه دروز الجليل في الفلسطينيين المنخرطين في جيش العدو ومؤسساته (تحت المجهرالجزء الأول).

[2] للتوسع: واقع المرأة السورية في الجولان

[3] للتوسع: حركة المقاومة السرية في الجولان

[4] فيديو لإحدى المظاهرات التي نظمتها تنسيقية الجولان يظهر فيه مظاهرة مضادة قمعت واعتدت على المتظاهرين السلميين. الرابط.

[5] اجتماع أولي لبعض النشطاء.

 اجتماع عام في مركز الشام.

[6] صفحةالحراك الشبابيالجولان السوري المحتل

[7] بيان الحراك الشبابي الأول: صدر بعد اجتماع شعبي في مركز الشام في مجدل شمس، وتبنته جميع المجموعات الحاضرة.

[8] منشور الحراك الشبابي عن يوم الأرض: تم فيه ربط تجربة يوم الأرض مع نضال سكان الجولان ضد مشروع توربينات الرياح.

[9] انعكاس اَخر وربما مثال صارخ للتغيرات على الرواية الصهيونية التي تفرضها الأحداث هو فيديو انتشر في مطلع العام لأحد مؤسسي مؤسسة تبشيرية مسيحية-صهيونية, شاب أمريكي صهيوني من مستوطني الجولان، به جسد الرواية الصهيونية بكل تفاصيلها، ويعكسك محوها للراوية والتعريفات الغير صهيونية YouTube – The Golan Heights // Its Biblical, Historical, and Geopolitical Significance

Scroll to Top