أولاً: النصّ في سياق مضمونه
ناقشنا في النصّ السابق ثنائيّة الصامد والمصدوم، وعرضنا عدم تناغم هذه الثنائيّة مع واقعنا المركّب. وعلى الرغم من ذلك، هناك إصرار – وحتى توق- في المجتمع الفلسطيني لتأطير الأحداث وردود الأفعال في إطار الجَلَدْ والصلابة والصمود، حتى لو كان هذا يتغاضى في كثيرٍ من الأحيان عن التركيبات والمشاعر الأخرى التي نختبرها بالتزامن مع توقنا للشعور بالجَلَدْ.
إن مفهوم الجَلَدْ مهمٌ وأساسيّ للشعوب التي تعيش واقع قهرٍ ومقاومة مستمرّين، ليس في التجربة النفسيّة فحسب، إنّما في التجربة التحرّرية الجمعيّة بشكلٍ عام. وأصبح الصمود رمزاً من رموز التجربة والمقاومة الفلسطينية؛ أيّ أنّه يتمّ ربط الصمود كصفة وفعل مع أفعال أخرى مثل تكريس الزراعة والمعونة المجتمعيّة ومقاومة ضغوطات التحقيقات والتعذيب وغيرها.
من المهم التشديد على أنّ نقدنا لمفهوم الصمود والجَلَدْ لا يهدف للاستغناء عنه وعن استخدامه في فهمنا لواقعنا وتجربتنا، إنّما للتشديد على أهميّة تجاوز الثنائيات القطبيّة التي عادةً ما ترافق هذه المفاهيم. تجاوز الثنائيّات هو جزء أساسيّ من سيرورة بناء الوعي النقدي (Conscientization)، والتي سنتوسّع بالحديث عنها لاحقاً.
عندما نتمسّك في الصمود والجَلَد، ونتمسك أيضاً بالتزامن معهما بالأذيّة والصدمات والمشاعر الصعبة، نتيح الإمكانية لفهم أنفسنا ومجتمعنا بطريقةٍ أكثر تركيباً من مجرد أنّنا إما ضحايا أو أبطال. تكمن أهمية هذا الفهم المركّب في أنّه يتيح لنا اختبار مشاعرنا بأكملها دون أن نصبح ضحايا وضعفاء، وفي كونه أكثر قرباً للواقع والتجربة المعاشة، وبالتالي تحرّرياً أكثر.
كما ذكرنا في مقدمة السلسلة، تعرض الأيديولوجيا تفسيراتٍ معينة للواقع التي تبرّر وتعطي شرعيّةً للأنظمة والمباني المجتمعية المهيمنة وتعرضها كأنّها أشياء «طبيعيّة» لا تاريخية. في تفكيك أدلجة الواقع هذه، يتمّ الكشف عن المصالح وعلاقات القوة التي تعمل خلف الكواليس على تأطير المعرفة والحقيقة والواقع (كما فعلنا في سياق مفهوم الصدمة النفسيّة في النصّ الثالث). ترتبط هذه السيرورة – سيرورة تفكيك أدلجة الواقع – باستعادة الذاكرة التاريخيّة (Retrieval of historical memory)؛ أيّ استرجاع تجربة المقهورين الواقعية، بمعزلٍ عن تشويهات الواقع المستدخلة من القهر، وإرجاعها لهم كمعلوماتٍ موضوعيّة [1]. يتيح ذلك سيرورات بناء الوعي النقديّ عند الشعوب والمجموعات المقهورة [2].
نستمرّ في هذا النص في تفكيك أدلجة المشاعر (الذي بدأناه في انتقاد الثنائيّات في النصّ الثالث) ونطرح مفهوم استعادة الذاكرة الجمعيّة وتكوين الوعي النقديّ. نتأمّل في مفهوم استعادة الذاكرة التاريخية كسيرورة بناءٍ فعّالة، وننظر من خلال هذا التأمّل لمشاعر الخذلان وخطاب الضحية، والعلاقة ما بين هذه المشاعر والفعل السياسي. باختصار، يتناول هذا النصّ سيرورة استعادة الذاكرة التاريخيّة في سياقنا، وهو أيضاً جزء منها.
ففي توثيق هذه السيرورات التي تحصل في مثل هذه اللحظات التاريخية، وفي التنظير والتأطير لهذه اللحظة، تغذي وتساهم النصوص بشكلٍ عام، وهذا النص بشكل خاص، في استعادة وتكوين الذاكرة الجمعيّة وإرجاعها لشعبنا كمعلوماتٍ موضوعيّة. نقصد هنا تلك الموضوعيّة المتّصلة اتصالاً وثيقاً في السياق ومبنيّة بشكلٍ أساسيّ على تجارب المجموعات المقهورة (وهي الأغلبية) والتي ترى تجارب الأفراد كأنّها انعكاسات لتجارب وظواهر اجتماعية بدلاً من أنماط شخصيّة وفرديّة.
ثانياً: تجاوز جماعي لخطاب الضحيّة عن طريق استعادة الذاكرة التاريخيّة
كشعبٍ مقهور ومسلوب الموارد والحقّ في تقرير المصير، نواجه تحدّياً كبيراً في تكوين ذاكرةٍ تاريخيّة، لا سيّما في السياق الذي تعمل فيه منظومات القهر بشكلٍ فعّال على إلغاء وتشويه الذاكرة بما يخصّ طبيعة القهر وسببه والمحاولات الناجعة في مقاومته [3]. ما شاهدناه في الهبّة الشعبيّة الواسعة في أيار 2021 كان لحظةً تاريخيّةً تحرّريّةً استطعنا فيها استعادة ذاكرتنا الجمعيّة كشعب؛ أيّ أن نكوّن وعياً سياسيّاً ونتذكّر واقعنا والمنظومة التي نقاومها.
إنّ استعادة الذاكرة التاريخيّة هي سيرورة اكتشافٍ انتقائي، من خلال الذاكرة الجمعيّة، لعوامل وعناصر من الماضي التي أثبتت نجاعتها في حماية مصالح الطبقات المقهورة، والتي يمكن توظيفها في نضالات الحاضر لتكوين الوعي السياسيّ. بالمقابل، يجعل منّا عمل منظومات القهر علينا وتطبيع وجودها في نفسيّاتنا، والحاجة لنضالٍ يوميّ لتلبية حاجاتنا الحياتية الأساسية، مجموعات تعيش في الحاضر فقط (حاضر نفسيّ ممتدّ) مسلوبة الماضي والمستقبل [4].
هذا ما يجعل استعادة الذاكرة التاريخيّة سيرورةً سياسيّة أساسيّة في نضالات التحرّر وتشكيل الوعي السياسي. بينما تتعزّز القناعة بأنّ رفع مستوى الوعي السياسي أولويّةٌ قصوى في سيرورة التحرير عند إدراك حقيقة أنّ «العدو يغيّر خطته. فهو يضيف إلى سياسة القمع الوحشيّة في الظروف المؤاتية سياسةً أخرى: يتظاهر بانفراج الأزمة، ويقوم بمناوراتٍ لتفريق الصفوف، ويعمد إلى ((الأساليب السيكولوجية)) لتضليل الناس» [5] .
كما يجدر الحذر من تأطير الوعي السياسيّ بمصطلحاتٍ فردانيّة وشخصيّة، كشيءٍ ينبع من نفسيّة وذاتيّة شخوص معينة؛ إذ من الممكن أن يفرض التأطير الفردانيّ ثنائيّةً بين أشخاص لديهم وعي سياسيّ وآخرين ينقصهم هذا الوعي، بدلًا من العمل سويةً على بناء وممارسة وعيٍ نقديّ. فإنّ الوعي السياسي (Conscientization) هو سيرورة تنظير وممارسة (Praxis) جمعيّة تفهم بها المجموعات المقهورة المباني الاجتماعيّة وعلاقات القوة السياسيّة المحيطة بها وتبلور فهماً نقديّاً لذواتها والعالم الذي تعيش به. يساهم فهم الماضي والحاضر والمستقبل في بناء الوعي السياسيّ، والذي يعزّز بدوره سيرورات استرجاع الماضي وتخيّل المستقبل [6]. لا تحدث هذه السيرورات بشكلٍ فجائيّ وعفوي، بل تنبع من سياقٍ يحتوي على قيم ومبادئ ومفاهيم وعلاقات اجتماعيّة معيّنة، تكون المجموعات المقهورة فيها هي من تحكم وتخطّط وتدير مبانيها ومفاهيمها الاجتماعيّة [7].
يمكننا فهم المباني والمجموعات والنشاطات الاجتماعيّة التي تأسست وعملت خلال الهبّة الشعبية عام 2021 كانعكاسٍ لهذه العلاقات الاجتماعية والجو السياسي الجديد. وحسب «فانون»، في هذه اللحظة «الشعب الذي يسير هذا السير المتواصل ويخوض غمار المعركة، يسنّ الآن القوانين، ويكتشف نفسه، ويريد أن يحكم نفسه بنفسه، أن يكون سيّد مصيره. إنّ الشعب يستيقظ كله من السبات الاستعماري، ويعيش في جو رائع من الحماسة. الجموع تتدفق في القرى تدفقًا متّصلاً، السخاء والكرم لا يقفان عند حد، الشهامة والأريحيّة تنطلقان انطلاقاً قوياً، الناس يريدون صادقين أن يموتوا في سبيل ((القضية)) التي يكافحون من أجلها […] وتتصالح القبائل التي كان يحمل بعضها لبعض عداء […] يتساندون تساند الإخوة، كتفاً بكتف وذراعاً في ذراع، ويكتشفون العدو الحقيقي» [8].
في تأطير ماضينا وتجاربنا التاريخيّة مع الاستعمار، هناك ميلٌ للاعتماد على خطاباتٍ مهيمنة (يورو-أمريكية) في علم النفس ومجالاتٍ أخرى. تَفهَم هذه الخطابات العنف الاستعماريّ والاجتماعيّ الممارَس علينا كعنفٍ يجعل منّا ضحايا، كما تؤطر «الضحيّة» وفق مصطلحات ومفاهيم قطبيّة تسلب مِن مَن يُعتبَر «ضحية» الفاعلية والأمل والمقاومة، والتي من الممكن أن يختبرها بالتوازي مع الأذيّة والمعاناة النابعة من العنف. تعكس ثنائيّة المريض-المتعافي وتعطي صدىً لثنائيّة الضحية والمقاوم. تتمركز النظريّات والتوجّهات التي تفهم المجموعات المقهورة في سياقات العنف السياسيّ كضحايا على فرضيات علم النفس المهيمن [9] مثل الفردانية والنموذج الطبي ومرضنة عوامل اجتماعيّة وسياسيّة وتأطيرها كنفسيّة، وعلى اللا-تاريخيّة التي تؤطّر البشر جميعهم على أنّهم متشابهون في ردود أفعالهم للعنف والأذيّة [10].
كما ذكرنا في النصّ الثالث تفضي هيمنة خطاب الصدمات النفسيّة في سياق عنفٍ سياسيّ ممنهج إلى تشويه الواقع وتركيباته والتغطية عليه. ففي التدخُّلات النفسيّة التي تعتمد على هذه التصوّرات، من مؤسسات حكوميّة أو غير حكومية أو أخصائيين مستقلّين، هناك ميلٌ لتكوين ثنائيّةٍ ما بين «الضحية الحقيقي» الذي لا يقاوم ولا يستطيع أن يقاوم ولا يمارس العنف، أو الذي لا يمكن تحميله مسؤولية أفعاله وممارساته العنيفة والمقاومة مثل الأطفال أو النساء، وبين من هو ضحية «أقل» أو من يدور تساؤل حول حقيقة كونه «ضحية» لأنّه يمارس أفعال عنيفة أو مقاومة [11].
نرى بوضوح أحد نتائج هيمنة هذه الثنائيات في نفسيّاتنا. فوفقاً لها، تتكون في مواقفنا ثنائيّةً تجاه مشاعرنا، فإمّا نعتبر أنفسنا (والآخرين) ضحايا مساكين وخاملين أو مقاومين وأقوياء. تجبرنا هذه الثنائية على قمع مشاعرنا والأذيّة التي نمرّ بها، والاستمرار بأن نكون فعّالين ونتحلّى بالجَلد والصمود حتى لو كان الثمن إرهاق أنفسنا وأجسادنا. إنّ الاستنتاج المنطقي من ثنائيّة الضحية-المقاوم هو أنّ المشاعر تدلّ على ضعف، وعلى أنّنا ضحايا، فعلينا إقصاء المشاعر من التجربة المعاشة عند ممارسة المقاومة؛ أيّ أنّه لكي نكون مقاومين علينا الامتناع عن اختبار مشاعرنا، أو تجاوزها وعدم نقاشها.
يمكننا التعلّم من سياق النضال الأسود ضدّ الاستعمار في أمريكا. فعندما رغب المفكّرون السود في الامتناع عن تعزيز الرواية التي تعتبرهم ضحايا فقط، لجأوا لتكوين رواية البطولة والانتصار عن طريق إبراز إنجازات أفرادٍ في وجه العنف والقهر المستمدّ. ساهم ذلك في تكوين ثقافة عارٍ وخجل، يجب فيها تخبئة وعدم إظهار أيّ جانبٍ حياتيّ يدلّ على اضطرابٍ نفسيّ. وفي ظلّ مجتمعٍ عنيفٍ بشكلٍ مستمرّ، سلب هذا من السود في أميركا الاعتراف ومشاركة الآخرين في سمات الحياة، والتي يمكن اختبارها كأذيّة وصدمات نفسية. شكّل هذا قاعدةً خصبةً لنفسيّة الضحية والغضب الخارج عن السيطرة واليأس والضعف الذي اختبره السود [12].
في وجه هيمنة هذه التيارات ومحاولات تطبيع العنف السياسيّ وشخصنة ردودنا، تتبلور أهمية سيرورة تكوين ورفع الوعي السياسيّ، باعتبارها سيرورة تحوّلٍ شخصيّ واجتماعيّ تأتي كردّ فعلٍ لوضعٍ غير عادل. يتبلور من خلال الحوار الاجتماعي في هذه السيرورة الوعي النقدي حول المصادر الموضوعيّة والشخصيّة للاغتراب والعزلة الاجتماعيين. يفكّك هذا الفهم للآليات والمباني الاجتماعيّة القاهرة التي تحاول سلبنا إنسانيتنا تطبيع هذا الوضع (واقع القهر والعنف السياسي) ويفتح آفاق لإمكانياتٍ وأفعال أخرى.
في هبّة أيار 2021، وبعد اعتقال الاحتلال لعددٍ من الأطفال، قدّمت مجموعات تطوّعية الدعم للأطفال وأسرهم بمنظورٍ جمعيّ في السياق الفلسطيني، عبر ربط تجربتهم بالتجربة الجمعيّة من خلال مرافقة نفسية- مجتمعية، بدلًا من الاعتماد على مرافقةٍ فرديّة للأطفال من قبل معالجين وأخصائيين مرتبطين بالمؤسسة. تجلب هذه المعرفة الجديدة التي نحصل عليها كمجموعاتٍ مقهورة بالنسبة لسياقنا وواقعنا الاجتماعي وذاكرتنا التاريخية فهماً جديداً لذواتنا وهويّتنا الاجتماعية، وتساهم في استكشاف فاعليّتنا في علاقاتنا مع الآخرين، علاقتنا مع الطبيعة واستكشاف قدرتنا على التغيير [13]. في هذه اللحظات التاريخية:
«يكتشف المستعمَر إذن أنّ حياته وتنفسه وخفقات قلبه لا تختلف عن حياة المستعمِر وعن تنفسه وعن ضربات قلبه. […] ويُحدث هذا الاكتشاف هزةً أساسية في العالم. إن كل ما يحس به المستعمَر من ثقة جديدة ثورية إنّما ينبع من هذا: إذا كان لحياتي من القيمة مثل ما لحياة المستعمِر، فلن تخيفني بعد الآن نظرته، لن تسمّرني في مكاني. لن يجمدني صوته. لن اضطرب أمامه. لن أعبأ به. لن يربكني وجوده، بل إنني منذ الآن أعدّ له من الكمائن ما يجعله في القريب لا يجد لنفسه مخرجًا غير الهرب» [14]
حسب «بيل هوكس»، نحتاج لنضالٍ ممنهجٍ لتقرير المصير لكي نحوّل العدسة التي نستعملها لفهم أنفسنا والعالم من عدسة الضحية لعدسة المحاسبة والمسؤولية. في هذا التغيير، نستطيع فهم تماهينا مع منظومة القهر وحاجتنا لتفكيك الاستعمار في نفسيّاتنا وعلاقاتنا في سيرورة تسييسٍ جذريّة، وأن يبقى بالتوازي وبشكلٍ ثابت دور القاهرين في تكوين سياق القهر دوراً واضحاً وضوح الشمس [15].
ليست سيرورة تكوين الوعي السياسيّ مجرّد عملية تغييرٍ بسيطة لآراء وذاتيّة الأفراد تترك الواقع الموضوعي على ما هو، بل تفترض أنّ التغيير الذي يمرّ به الأفراد والمجموعات المقهورة يحدث من خلال تغيير علاقتهم مع بيئتهم الخارجيّة ومع أشخاص آخرين. لا يساعدنا هذا في اكتشاف ذواتنا فحسب، بل أيضاً في النظر إلى الأفق والتأمّل في من يمكننا أن نكون. هذا ما يجعل استعادة الذاكرة الجمعيّة عمليّةً أساسيّةً في تقريرنا المستقل لمصيرنا ومستقبلنا [16]. ولا يعتبر بناء الوعي النقديّ واستعادة الذاكرة الجمعيّة سيرورات نفسيّة عفويّة فقط، بل علينا أن نفهمهم كممارساتٍ تحرّرية ممنهجة ومنظّمة.
شاهدنا خلال الهبّة عام 2021 تبنّي أساليب التواصل والعلاقات الجديدة وإعادة النقاش عن المستقبل الذي نطمح له سويّةً، ورأينا كيف داخل هذا التفكير الحواريّ، حاول كلٌّ منّا إيجاد موقعٍ ومكان به يمكن أن يكون وأن يفيد الرؤية المستقبليّة التي نواجه المنظومة من أجلها. أي أنّه تبلورت الفكرة في هذه الفترة أنّ الحرية ليست الهدف فقط، بل أنّها تجربة معاشة نمارسها جمعيّاً في سيرورات مواجهة الواقع القاهر.
مثلا، رأينا كيف تمّ استحضار رمز البطّيخ من الماضي وتوظيفه خلال أحداث هبّة أيار 2021، فأفعال استعادة الذاكرة الجمعيّة تربط بين الماضي والحاضر. تتعزّز في هذا الربط فكرة التراكميّة، أيّ الشعور والمعرفة أنّنا لسنا بحاجة لخلق وبناء مقاومتنا من جديد في كلّ مرحلة، بل أنّه لمقاومتنا امتداد وتاريخ يمكن التعلم منه والمراكمة عليه، كما أيضاً تنكسر أسطورة الشرذمة المكانيّة والزمانيّة التي تعمل عليها منظومات القهر بشكلٍ فعال، فعند الفهم أنّنا جزء من مجموعةٍ كبيرةٍ في الحاضر، لها امتدادٌ وتاريخ، نفهم أنّ أفعالنا اليوم ليست منفصلةً عمّا حدث في الماضي وفي أماكن أخرى في الحاضر، بل ترتبط بها. «فإنّ الوعي بالوضعية الإنسانيّة هو في حقيقته وعي بالوجود الإنسانيّ كله، أنّ الإنسان في نقده لوضعه يبدأ في اكتشاف الآخرين الذين هم في مثل وضعه» [17].
ثالثاً: ما بين الاستعادة والتكوين
في المبادرات والأفعال والنشاطات العديدة والمتنوّعة التي رأيناها في فترة الهبة، ظهر تجاوز لثنائيّة الضحية والمقاوم، والمصدوم والمتعافي. فرأينا أنّ الفعل لا يأتي بعد التعافي أو كنتيجةٍ له، بل أنّ الفعل هو وسيلة نمارس عن طريقها التعافي. مثلاً، في أسبوع الاقتصاد الوطني اتّخذنا مسؤولية ومارسنا فاعليّتنا في اقتصادنا، أيضاً مارسنا حسّاً وشعوراً جمعيّاً ووطنيّاً عزّز لدينا الهويّة الجمعيّة («اشتري من ابن بلدك»). لا تقتصر استعادة الذاكرة الجمعيّة فقط على تبنّي آليات وموارد يمكن الاستفادة منها في الوضع الحالي، بل أنّ الاستعادة نفسها هي فعل وسيرورة تحرّريّة. أي أنّ السؤال المركزيّ هو: ما الهدف من فعل الاسترجاع وما المقابل الذي نحصل عليه من هذا الفعل، وليس ما الذي نسترجعه في هذه السيرورة.
إنّ الطريقة التي نستذكر من خلالها ماضينا، تؤثّر على كيفيّة فهم حاضرنا وتخيّل مستقبلنا. من المهم أن نشدّد على أنّه في استعادة الذاكرة التاريخيّة لا نعني بالضرورة استرجاع حقائق وأحداث تاريخيّةٍ فحسب، بل أنّ استرجاع الماضي يجب أن يكون مسيّساً وواعياً ونقديّاً.
فوفقاً لهذا المفهوم، استعادة الذاكرة التاريخيّة هي سيرورة بناء أو خلق نقديّ مسيّس للتاريخ، وليست عملية استرجاعٍ لحقائق تاريخيّة وموضوعيّة. يمكننا الاستفادة من تشبيه هذه السيرورة مع سيرورة علاج شخوص مرّت في عنف وأذيّة في الطفولة [18]. ثمّة فهم بأنّ الأطفال لا تفهم الإساءة والتعسف، وكثيراً ما تلوم نفسها وتؤمن بأنّ الأذية هي إشارة لحبّ البالغين. في علاج هذه الأطفال، عند بلوغها، ليس الهدف العلاجي هو استرجاع ذاكرة تاريخيّة موضوعيّة، لأنّ الذاكرة هذه كثيراً ما تكون مشوّهة. الهدف العلاجي هو تصحيح الذاكرة المشوّهة وتأطير الإساءة كعنف، لم يحدث بذنب الطفل ولا يرمز الى حبٍ واهتمام. أيّ إعادة بناء الذاكرة لتكون تصوّراً صحيحاً للأذية. هذه الذاكرة المصحّحة هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يساعد الشخص في فهم الجذور الاجتماعيّة لصعوباته وسلوكيّاته، وأن يغيّر السلوكيات وردود الفعل التي تؤذيه وتضعفه إلى ما يساهم في مساعدته وتقويته.
النقطة المركزيّة في هذا التشبيه هو أنّ الذاكرة الحقيقيّة بالنسبة لما حدث في الأذيّة ليست ذاكرةً موجودة ومنكرة وعلينا استكشافها، بل إنّها شيء علينا بناءه من جديد. الذاكرة التاريخيّة، حسب «مارتين بارو»، هي ليست شيء علينا إيجاده، بل بنائه وتكوينه من خلال تفكيك أدلجة الواقع واسترجاعه كحقائق موضوعيّة تستطيع بواسطتها المجموعات المقهورة بناء ذاكرتها التاريخيّة وهويتها في الحاضر، وأن تتخيل آفاق لمستقبل آخر [19]. أي أنّ الهدف من استعادة الذاكرة التاريخية يكمن في سيرورة وأفعال الاسترجاع نفسها، التي تعمل كآلياتٍ تحرّرية في الحاضر، وتهدف للمستقبل، وليس إيجاد عناصر تشعرنا في النوستالجيا وفي تجميل صورتنا في أعيننا وشعورنا تجاه أنفسنا، ولا أن نعيد بناء ماضٍ متخيّل أو حقيقيّ لنا.
يمكننا استحضار عملنا مع مشاعر الخذلان كمثالٍ لاسترجاع الماضي كآليّة سياسيّة للحاضر. نشعر أنّ في أوساط الكثيرين من الفئة العمرية الأكبر، الجيل الأوّل والثاني للنكبة تحديداً، هناك تشاؤم وفقدان أمل من التحرير، والذي ينبع في الكثير من الأحيان من الخذلان الشديد الذي شعروا به. نسمع الكثير من تجارب الأجيال السابقة عن أشخاص مرّوا في هبّات وحالات سياسيّة – كنشطاء بشكلٍ مباشر أكثر أو أقل – وشعروا أنّهم على وشك أن يتحرّروا، ولكن بعد عدم تحقيق أهداف هذه المبادرات أصبحت التجربة تُختبر كفشل وبالتالي خذلوا.
تؤدّي هذه التجارب السابقة في الكثير من الأحيان للاستنتاج المسبق والحتميّ بأن المحاولات ستخذل ممارسيها في المستقبل أيضًاً. أمّا حين نستطيع سماع القصص وتفاصيل الروايات والشهادة على الممارسات التي أدّت إلى الخذلان، بإمكاننا أن نصل إلى نقطة فهم ما هي الأجزاء التي أدّت إلى الخذلان والتعلّم من الممارسات والتكتيكات السابقة. عندما نمتنع عن فهم الخذلان كصفةٍ سلبيّة ومرضيّة ترمز إلى ضعف الأشخاص، يمكن أن نسترجع معهم السيرورات والذكريات التي جعلتهم يشعرون بهذا الخذلان كمحاولةٍ للتعلم منها. تتيح لنا هذه الأدوار، التي يمكن لهم اتّخاذها، التفكير حول ما نجح في الماضي وما لم ينجح، وكيف يمكننا أن نقاوم دون أن نحرق أنفسنا أو أن نتيح للخذلان أن يجعلنا خاملين.
ليس الخذلان حالةً في الماضي فحسب، بل حالة نعيشها في الحاضر أيضاً. فعادةً بعد لحظات الهبّة والمقاومة، نرى أنّ «القوة الاستعمارية تجمع صفوفها بعد حدوث الانفجار، وتعيد تنظيم نفسها وتبدأ باستعمال طرائق في القتال تناسب طبيعة الثورة التي قامت. وهذا الهجوم الذي تشنّه القوى الاستعمارية يبدل جوّ الانطلاق الفرح الذي ساد المرحلة الأولى. إنّ العدو يشنّ هجومه مركّزاً على نقاط معيّنة تتجمّع فيها قوى كبيرة. وسرعان ما تصبح قوى العدوّ أكبر من القوة الوطنية الضاربة في نقطة معينة. وممّا يفاقم الأمر أنّ القوة الوطنية المحلية تميل في أول الأمر إلى خوض المعركة وجهاً لوجه، فالتفاؤل الذي سيطر على المشاعر في المرحلة الأولى يجعل القوة الوطنية متهورة، ويفقدها شيئاً من الشعور بالواقع. إنّ الجماعة التي رسخ في اعتقادها أنّ منطقتها هي الأمّة بأسرها، ترفض أن ترخي الحبل، ولا تطيق أن تقاتل متراجعة. وبذلك تسقط ضحايا كثيرة، ويبدأ الشك بالتسرّب إلى النفوس» [20].
من المهم أن نعترف أيضاً أنّنا في الهبّة الأخيرة، وتحديداً بعد الأسابيع الأولى عندما ردّت المنظومة فعلها لنا في موجات الاعتقالات والتعذيب والمقاطعة الاقتصاديّة وتصعيد العنف الاستعماريّ، عدنا نشعر بالخذلان والخوف وعادت الشكوك تسكن قلوبنا. إنّ البداية في هذه السيرورة هي الوعي لمشاعرنا وتقبّل وجودها والتأمّل في ما يحرّكها أو يجعلنا نختبرها، يتيح لنا هذا التعلّم من المشاعر وجذورها بدلاً من مجرّد السعي لتخطيها. بالتالي، يصبح بإمكاننا أن نوظّف تعاملنا مع المشاعر كجزءٍ من أفعالنا بدلاً من الخضوع للخمول. عندما نتجاوز رؤية هذه المشاعر كمشاعر سلبيّة التي يجب أن لا نشعر بها، يمكننا أن نبدأ بالتفكير حول الطرق المختلفة التي تمكّننا من توظيف هذه المشاعر، دون أن نتجاوزها، وأيضاً من منعها من أن تجعلنا خاملين وغير فاعلين.
في استعادة الذاكرة التاريخيّة، يتمّ التأمّل في تجاربنا السابقة، وفي مشاعر الخذلان مثلاً، ويتمّ إعادة بنائها لتشجّع عندنا الفعل بدلاً من الخمول، من خلال فهم ذواتنا وهويّاتنا بشكلٍ جديدٍ ومختلف كليّاً. فإنّ محو الاستعمار، في المستوى الفعليّ في «الخارج» وأيضاً في المستويات النفسيّة والعلاقاتيّة في «الداخل» هو «إحلال ((نوع)) إنسانيّ محلّ ((نوع)) إنساني آخر إحلالاً كليّاً كاملاً مطلقاً، بلا مراحل انتقال» [21]. أيّ أنّ تكوين الماضي والذاكرة التاريخيّة من جديد يساهم في تكوين هويّتنا وأنفسنا في الحاضر بشكلٍ جديد. في سيرورة التكوين هذه، يمكننا مثلاً أن نفهم أنّ النشاط والفعل السياسي لا يأتي نتيجة مشاعر «إيجابية» كالأمل والفخر والتضامن فقط، بل أيضاً من مشاعر أخرى أكثر «سلبيّة» كالذنب واليأس والخذلان. والخذلان لا يعني بالضرورة فقدان الأمل، فإنّه ينبع من فجوات بين التوقّعات والتخيّلات التي نكوّنها في لحظات المواجهة وبين المحدوديات الواقعيّة التي تنبع من المنظومات القاهرة وعنفها. فالخذلان يتيح لنا أن نفكر بشكلٍ نقديّ وغير «رومانسي» في تجاربنا في الماضي ومحدوديّاتها، وأن نعيد بناء نشاطنا ومقاومتنا وملائمتهم للواقع الحالي ومحدوديّاته [22].
رابعاً: ملاحظات أخيرة وخاتمة
قبل إنهاء النصّ الحالي، من المهم التنويه إلى بعض النقاط المهمة، وبعض الفخاخ التي من المهم أن نمتنع عن الوقوع فيها. أولاً، في طرحنا لسيرورة استعادة الذاكرة التاريخية والوعي النقدي، من المهم أن نمتنع عن تأطيرهم كإنجازات وأهداف علينا الوصول إليها، كنقطة نهايةٍ لسيرورة ما. فإنّها عمليات وسيرورات شخصيّة وجمعيّة التي علينا أن نستمرّ في العمل عليها ومن خلالها، لنستمرّ في التقدّم وبلورة وملائمة مواجهتنا للقهر الذي نعيشه، والذي يلائم نفسه بشكلٍ دائمٍ لنا ولمقاومتنا. أهمية هذا هي عدم الوقوع في الفخ الذي يجعلنا نرى النجاح في المقاومة على أنّه دائم، والفشل كفشل دائم، بل أن نستمر ونتذكّر أنّه مع تقدّم الزمن، تستمرّ المنظومات الاجتماعيّة والسياسيّة في التغيّر، ممّا يجعل القهر يستمر في التغير والتحوّل. وعينا لهذه التغيّرات يساعدنا في التأمّل في دورنا وموقعنا منها، وعلى تأثيراتها علينا كأفراد ومجموعات، وعلى الأفعال التي يمكن أن نفعلها لنقاوم القهر ومنظوماته.
ثانياً، لا نقصد في تكوين الهوية الجمعيّة إعادة بناء الرؤية الاستعماريّة التي ترى في الهويات شيئاً جوهرياً وغير متغيّر داخلنا. ما نقصده هو تكوين قدرتنا على تقرير المصير وعلى تخيّل المستقبل. إنّ التمسّك في هوية «وطنية» تقليدية ومبسطة تخفي التركيبات والتعدّديات في ذواتنا ونفسيّاتنا، وتجعلنا نرغب في «حماية» هذه الهوية بواسطة رفض تبنّي قيم ومبادئ وطرق معرفة ووجدان التي لا تنسب تاريخياً لنا، رغبة التي في الواقع لا تعكس ابتعاد عن المنظومة الاستعمارية، بل تعكس تعزيز الفكر الثنائي الأورو-أمريكي والاستعماري [23]. الهدف من سيرورة محو الاستعمار هو أنسنة الأشخاص والمجموعات المقهورة وتكويننا كأشخاص فاعلين من أجل تحريرنا، وليس تكوين أو استرجاع «هوية» وطنيّة أو أخرى. أيّ أنّ التحرير ليس نتيجةً نحصل عليها أو هدف نصل له عند العمل على استرجاع هويّةٍ معينة أو أخرى، بل هو بذاته أفعال استعادة وتكوين وممارسة لفاعليتنا كأشخاص ومجموعات.
«محو الاستعمار لا يمكن أن يعبر عبوراً دون أن يلاحظه أحد، لأنّه يتناول الوجود، لأنّه يغير الوجود تغييراً أساسياً، لأنّ أناساً مشاهدين يسحقهم أنّهم ليس لهم ماهية، يأتي محو الاستعمار هذا فيحيلهم أناساً فعالين ممتازين يدخلون تيار التاريخ دخولاً رائعاً. إنّ محو الاستعمار يبثّ في الوجود إيقاعاً خاصاً يجيء به الأشخاص الجدد، ويحمل إلى الوجود لغةً خاصة وإنسانيّة جديدة. إن محو الاستعمار لهو خالق أشخاص جدد حقاً. ولكن هذا الخلق لا يستمد مشروعيّته من أيّة قوةٍ فوق طبيعيّة. إن المستعمَر ((الشيء)) يصبح إنساناً بمقدار ما يحقّق من عمل لتحرير ذاته» [24]
المراجع:
[1] Martin-Baro, I. (1994). Writings for a Liberation Psychology. In: Aron, A. & Corne, S. (eds.).
[2] Londorfer, S. (2009). In whose interests do we work? Critical comments of a practitioner at the fringes of the liberation paradigm. Feminism & Psychology, 19(3), 354-367.
[3] Ratner, C. (2019). Psychology’s contribution to socio-cultural, political, and individual emancipation. Pargrave. (Ch2 – Martin-Baro’s Liberation Psychology).
[4] Martin-Baro, I. (1994). Writings for a Liberation Psychology. In: Aron, A. & Corne, S. (eds.).
[5] فانون، ف. (1961). معذّبو الأرض. (ترجمة د. الدروبي ود. الأتاسي). (ص. 115)
[6] Martin-Baro, I. (1994). Writings for a Liberation Psychology. In: Aron, A. & Corne, S. (eds.).
[7] Ratner, C. (2019). Psychology’s contribution to socio-cultural, political, and individual emancipation. Pargrave. (Ch2 – Martin-Baro’s Liberation Psychology).
[8] فانون، ف. (1961). معذّبو الأرض. (ترجمة د. الدروبي ود. الأتاسي). (ص. 112-113)
[9] فرضيات علم النفس التي اسلفنا ذكرها في النص الثاني – اساسات التحرر النفسي: منظور مناهض للاستعمار
[10] Lykes, M.B. and Mersky, M. (2006). Reparations and Mental Health: Psychosocial Interventions towards Healing, Human Agency, and Rethreading Social Realities’, in P. de Greiff (ed.) The Handbook of Reparations. (pp.589–622). Oxford University Press.
[11] Londorfer, S. (2009). In whose interests do we work? Critical comments of a practitioner at the fringes of the liberation paradigm. Feminism & Psychology, 19(3), 354-367.
[12] hooks, b. (1995). Killing rage: Ending racism. (Ch: Healing our wounds: liberatory mental health care p. 133-145).
[13] Martin-Baro, I. (1994). Writings for a Liberation Psychology. In: Aron, A. & Corne, S. (eds.).
[14] فانون، ف. (1961). معذّبو الأرض. (ترجمة د. الدروبي ود. الأتاسي). (ص. 47)
[15] hooks, b. (1995). Killing rage: Ending racism. (Ch: Refusing to be a victim p. 51-61).
[16] Martin-Baro, I. (1994). Writings for a Liberation Psychology. In: Aron, A. & Corne, S. (eds.).
[17] فرايري، ب. (1968). تعليم المقهورين. (ترجمة د. نورعوض). (ص. 80)
[18] لا نقصد باستخدام هذا المثال التلميح الى طفولية او سذاجة تجربة الشعب الفلسطيني، بل نستخدم هذا التشبيه لإيضاح سيرورة تشويه الذاكرة عندما تصبح الأذية عامل مركزي في تطوير الذاتية، وتشبيه سيرورة استرجاعها بطريقة مصححة وليس كحقائق تاريخية.
[19] Ratner, C. (2019). Psychology’s contribution to socio-cultural, political, and individual emancipation. Pargrave. (Ch2 – Martin-Baro’s Liberation Psychology).
[20] فانون، ف. (1961). معذّبو الأرض. (ترجمة د. الدروبي ود. الأتاسي). (ص. 113)
[21] فانون، ف. (1961). معذّبو الأرض. (ترجمة د. الدروبي ود. الأتاسي). (ص. 39)
[22] Allam, N. (2018). Activism amid Disappointment: Women’s groups and the politics of hope in Egypt. Middle East Law and Governance, 10, 291-316. t
[23] hooks, b. (1995). Killing rage: Ending racism. (Ch: Black Identity: Liberating Subjectivity p. 240-250).
[24] فانون، ف. (1961). معذّبو الأرض. (ترجمة د. الدروبي ود. الأتاسي). (ص. 40)